في زمنٍ تبلدت فيه المشاعر، وأصبح الخوف هو الغالب على المشهد، خرج رجل بسيط من الشرقية ليعيد تعريف البطولة على أرض الواقع، لا في صفحات الروايات ولا في مشاهد السينما. اسمه خالد شوقي عبد العال، سائق شاحنة بنزين، لم ينتظر تصفيقًا، ولم يطلب كاميرات أو أضواء، بل كتب اسمه بدمه، وترك لنا درسًا لن ننساه.
الحكاية بدأت بانفجار في محطة وقود بمدينة العاشر من رمضان. مشهد نراه في الأخبار، ونمر عليه مرور الكرام، لكن التفاصيل هذه المرة كانت مختلفة. النيران التهمت الشاحنة التي يقودها خالد، وكل من كان حوله فرّ مذعورًا، وهذا طبيعي، بل فطري. لكن خالد لم يهرب. لم يفكر حتى في القفز منها والنجاة بنفسه. قرر في لحظة فارقة أن يُبعد الشاحنة المشتعلة عن الناس، عن الأطفال، عن المنازل، عن الكارثة الأكبر.
قادها والنار تشتعل خلفه، وربما كانت تلتهم جزءًا من جسده، لكنه واصل القيادة بشجاعة نادرة. وصل إلى منطقة بعيدة، وأوقفها هناك، ثم سقط. لم يسقط كأي سائق، بل كشهيد… شهيد ضمير حيّ، شهيد إنسانية لم تنطفئ بعد.
خالد لم يكن جنديًا يرتدي زيًّا رسميًا، ولا قائدًا كبيرًا تُعلَّق صوره في الميادين، بل كان ابن البلد، ابن الناس، شريفًا في صمته، بطلاً في لحظته، ورمزًا لما يجب أن نكون عليه حين يُختبر المعدن.
أصعب ما في القصة أن خالد كان ينتظر يومًا سعيدًا: فرح ابنه خلال أيام قليلة. كان يستعد له كأي أب مصري بسيط، يحلم أن يرى ابنه عريسًا، وأن يفرح مع جيرانه وأهله. لكن القدر كان على موعد آخر معه، موعد البطولة.
القرية التي ودعته بدموع حارة لن تنساه، ومدينته التي أطلقت اسمه على أحد شوارعها ستظل تذكره بكل فخر. لكن الأهم، أن الأجيال القادمة يجب أن تعرف من هو خالد شوقي. ليس فقط لأنه بطل، بل لأنه مثال لما يمكن أن يكون عليه الإنسان حين يتغلّب على خوفه ويختار أن يكون في صفّ الحياة، ولو دفع ثمنها من حياته.
رحمك الله يا خالد، وأسكنك فسيح جناته. لست مجرد سائق، بل صرت في عيوننا جميعًا “شهيد الشهامة” في زمن ندرت فيه الشهامة.